عرض اون لاين كتاب المطالعه والانشاء ثاني ثانوي ادبي
- انظم الى قناة منهج ليبيا الجديد في التليجرام
محتوى الكتاب
اللغة العربية علي ناصيف " "
لا غرو إذا اتجه العلماء في تمييز المجموعات البشرية كل من الأخرى بلغتها ، فلكل مجموعة لغة يعرفها أبناؤها ، بها يتفاهمون ويتخاطبون ، وتلفنها الأمهات إلى الأطفال وعليها يشبون ، وبها يسجل ماضيها ، ويحفظ تراثها ، وبأقوالها تترعرع تقاليدها وينضج فكرها ، بل قل ينبض قلبها وتستشف روحها .
بلغة الجماعة تستطيع أن تثقف عقول أبنائها ، بل تستطيع أن تسيطر على عواطفهم ، وأن تضحكهم وأن تبكيهم ، وأن تستثير نخوتهم ، وتلهب حماستهم ، وأن تستنهضهم إلى العمل .
هي أعينهم التي ترى جمال بلادهم دون أن تنتقل من مكانها ، وهي أذنهم التي يسكب فيها شعر أجدادهم ومعاصريهم ، وهي محرابهم الذي يتفقهون فيه في أمور حياتهم .
ولا شك أن اللغة هي أقوى مقومات الأمة ، بل إن اللغة قد تكون كافية في بعض الأحيان بأن ينصف ناطقها بأنه فرد من أمة بعينها إذا عاش بين أبنائها وتكلم بلغتهم . روى الحافظ بن عساكر عن مالك أن النبي قال : اليست العربية بأحدكم من أب ولا أم .
وإنما هي اللسان ، فمن تكلم العربية فهو عربي .
والأمة العربية تنطق بلغة واحدة هي اللغة العربية ، فاللغة العربية هي لغة الشعب ولغة الدولة أيضاً ، قد تتأثر محلياً في نطق بعض كلماتها ، أو في استحداث بعض الفاظ واردة مع الجماعات الوافدة على منطقة أو أخرى ، إلا أنها تظل كما هي ثابتة الأصول ، عميقة الجذور تمثل الأصالة والصلابة والعراقة : أصالة نشأتها ، وصلابة تكوينها ، وعراقة تاريخها .
لقد انتقلت اللغة من شبه الجزيرة العربية مع الأفواج البشرية الضخمة التي نزحت من شبه الجزيرة على دفعات منذ آلاف السنين ، استقر بعضها في شمال الشام والوادي الخصيب وهم الكنعانيون والفينيقيون حوالي 3500 ق . م ، وغيرهم إلى سورية ووسط العراق وهم الآراميون من 1500 إلى 1200 ق . م ، وأقوام إلى شمال شرق سيناء وهم الأنباط ..
وما من شك في أن ظهور الإسلام وتزول الوحي بلسان عربي مبين قد أثر في اللغة
العربية تأثيراً بالغاً .
تلك هي لغتنا : بها عزتنا ، ومنها فخارنا ، وحولها يجتمع شملنا ، وعلى صداها تلتقي قلوبنا ، في باديتنا وحاضرتنا ، وهذه هي منزلة لغتنا من كياننا ، وأثرها في حياتنا ، تفرضها علينا طبيعة الأمور فرضاً ، فإلى أي مدى تعني هذه الحقيقة؟ وأي منزلة تنزلها من ثقتنا و اعتزازنا ؟، ثم أي نصيب توليها من حبنا ورعايتنا؟ إن لغتنا من أخصب لغات العالم ، ومن أكثرها مرونة وقابلية للتطور والنمو ، بفضل ما تتميز به من خصائص الاشتقاق والنحت والتعريب وغير ذلك ، ولقد مر تاريخ العرب بفترة ازدهار علمي وأدبي وسياسي كان العرب فيها سادة العالم في هذه المجالات جميعا ، وكانت الكتب والمؤلفات والمراجع العربية هي المنهل الذي وردته أوروبا ، ومنه اشتقت أسباب نهضتها بعد ذلك في عصر
النهضة الأوربية .
إنني أقر بأن العربية لا تمر الآن يفترة ازدهار وإشراق : ذلك لأنها صورة صادقة أمينة الحياة أبنائها وهل هذه الحياة مزدهرة مشرقة الآن؟ هل تستقيم الصورة والأصل معوج؟ هل تبدو الصورة مشرقة نابضة والأصل عابس كالح ؟ فليتهض العرب في مختلف مجالات حياتهم وليطمئنوا عندئذ على أحوال لغتهم ، هذا لا يعني أن تعقي أنفسنا من المسؤولية
تجاه لغتنا التي تعطينا الكثير ، فلا أقل من أن نرد إليها بعضاً مما تعطي ، حتى يستمر
عطاؤها .
وفي مجالات التعليم علينا أن نضاعف من اهتمامنا بتعليم اللغة وآدابها ، وأن تخصص
لها وقتاً أكبر ، وأن نوعي أبناءنا من الصغر بمنزلة اللغة في حياتنا وتراثنا ومستقبلنا ووحدتنا ، كما علينا أن تنعش اللغة بأن نحيي تراثنا الأدبي العريق بإعادة طبعه ونشر أمهات ادعاءات دعاة العجز والهزيمة ، هذا دين في أعناقنا تجاه لغتنا نحن العرب ، والوفاء شيمة
الكتب والمؤلفات العربية في مختلف المجالات، وعلينا أن نشجع التأليف والترجمة والتعريب بكل الطرائق وبأسخى الوسائل ، وأن تسرع في تعريب التعليم الجامعي وألا نتقاعس أمام
من شيم العرب ، فمتى يصدق وفاؤنا؟ ومتى توفي الدين؟
المعجم اللغوي:
1 نبض القلب : تحرك وحقق .
2. تستشف : ترق .
3 الكالح : الشديد العبوس .
ساعات بين الكتب" للعقاد "
الكتب كالناس ، منهم السيد الوقور ومنهم الكيس الطريف ومنهم الجميل الرائع والساذج الصادق والأريب " المخطى ، ومنهم الخائن والجاهل والوضيع والخليع ، والدنيا
تتسع لكل هؤلاء ولن تكون المكتبة كاملة إلا إذا كانت مثلا كاملا للدنيا .
يقول لك المرشدون : اقرأ ما ينفعك ، ولكني أقول :
بل انتفع مما تقرأ إذ كيف تعرف ما ينفعك من الكتب قبل قراءتها ؟
إن القارئ الذي لا يقرأ إلا الكتب المنتقاة كالمريض الذي لا يأكل إلا الأطعمة المنتقاة ، يدل ذلك على ضعف المعدة أكثر مما يدل على جودة القابلية .
واعلم أن من الكتب الغث والسمين وأن السمين يُفسد المعدة الضعيفة ، وأنه ما من طعام عن إلا والمعدة ال ة القوية مستخرجة . منه مادة غذاء ، ودم حياة وفتاء ، فإن كنت ضعيف المعدة فتحام (3) السمين كما تتحامى الغث ، وإن كنت من ذوي المعدات القوية فأعلم أن
لك من كل طعام غذاء صالحاً .
وكم من منظر أنت تراه فلا تود أن تراه بعدها ، أو صوت تسمعه ، ثم لا تحب أن تسمعه حتى آخر العمر .
فلا أدري من أين داخل القراء أن الكتاب إنما يقرأ قراءة واحدة ، مع أن الكتاب أخفى
رموزاً وأكثر مناحي نظر من المنظر والصوت ، وأنت تنمو بعقلك أكثر من تموك بحواسك ، فأنت أخرى أن تعاود النظر فيما يمتحن به نمو الفكر ، ومن كان يفهم أن قراءة الكتاب
شيء غير الإتيان على كلماته ، وأن درسه مطلب غير استظهار صفحاته ، فعليه بلا ريب أن يكر قراءته كلما استطاع ؛ لأن كتاباً تعيد قراءته مرتين هو أغنى وأكثر من كتابين تقراً كلا منهما مرة واحدة .
ثم اعلم أنه ليس بأنفس الكتب ولا بأجلها الكتاب الذي تتوق إلى إعادته بعد
قراءته ، وليس بأفرغ الكتب ولا بأقلها الكتاب الذي تقنع بتركه بعد الفراغ منه .
فإنك ربما صادفك الكتاب الأجوف المغلق فأعجبتك رنته ، فجعلت تقلبه على كل جنب لعلك أن تخلص إلى لبابه ، ولا لباب له ، وربما صادفك السفر القيم الشافي فانتهيت
وقد عهدنا الناس يمنعهم البخيل ، فيراجعونه ويلحون عليه ، ويعطيهم المنعم الكريم فيهجرونه ويعرضون عنه ، وتلك ضرائبهم في مصاحبة الكتب ، فلا تكن من المطالعة من هؤلاء .
وطريقتي في القراءة ألا أذهب مع الطرف في الصحيفة إلا ريثما أذهب مع الفكر في نفسي ، فقد أتناول الكتاب أبدأ فيه حيث أبدأ إذا كان من غير الكتب التي يلتزم فيها
الترتيب والتعقيب ، فيستوقفني رأي أو عبارة تفتح لي بابا من البحث والروية فأمضي معها وأطويه ، فلا أنظر فيه بقية ذلك اليوم أو أنتقل منه إلى كتاب آخر .
وأجد هذا التوجيه في أنفس الكتب كما أجده في أردتها ، فلا أميز بينها في الابتداء ، ولا يكاد يستدرجني إلى المضي في المطالعة غير موضوع يستوعب ذهني ، ويأخذ علي
المؤلف فيه باب الانفراد بالفكر دونه ...
تأثير الصوت
وأمر الصوت عجيب ، وتصرفه في الوجوه عجب ، فمن ذلك أن منه ما يقتل كصوت الصاعقة ، ومنه ما يسر النفوس حتى يفرط عليها السرور ، فتقلق حتى ترقص ، وحتى ربما رمى الرجل بنفسه من خالق وذلك مثل الأغاني المطربة ، ومن ذلك ما يكمد ، ومن ذلك ما يزيل العقل حتى يغشى على صاحبه كنحو هذه الأصوات الشجية والقراءات الملحنة ) ، وليس يعتر بهم ذلك من قبل المعاني ؛ لأنهم في كثير من ذلك لا يفهمون معاني كلامهم ، وقد بكى ما سرجوية ) من قراءة «أبي الخوخ فقيل له : كيف يكيت من كتاب الله ولا تصدق به ؟ قال : : إنما أبكاني الشجا) ، وبالأصوات يقومون الصبيان والأطفال ، والدواب تصر أذانها إذا غنى المكاري ، والإبل نصر أذانها إذا حدا في آثارها الحادي ، وتزداد نشاطاً وتزيد في مشيها ، ويجمع بها الصيادون السمك في حظائرهم (10) التي يتخذونها له ، وذلك أنهم يضربون بعضي معهم ويعطعطون (1) فتقبل أجناس السمك شاخصة " الأبصار ،
مصغية إلى تلك الأصوات حتى تدخل في الحظيرة . ويُضرب بالطاس (1) للطير ، وتضاد بها ، ويُضرب بالطاس للأسد ، وقد أقبلت
فتروعها (1) تلك الأصوات .